النهاردة ميعادنا مع تحفة معمارية جديدة وهي مجموعة السلطان قلاوون أو مسجد ومدرسة وقبة وبيمارستان المنصور قلاوون.
وهي مجموعة معمارية أثرية شهيرة بالقاهرة، مبنية على الطراز الإسلامي المملوكي وتضم المجموعة مسجدًا ومدرسة وقبة ضريحية وبيمارستان لعلاج المرضى. أمر بإنشائها السلطان المنصور سيف الدين قلاوون أحد أبرز سلاطين عهد المماليك البحرية، والذي أسس لأسرة حكمت مصر والشام وغيرها أكثر من قرن من الزمان، بدأ حكمها بنفسه سنة 678هـ/1279م، وانتهت بالسلطان الصالح صلاح الدين حاجي سنة 784هـ/1382م، وإليه يرجع الفضل في ظهور الدولة المملوكية الثانية (المماليك البرجية أو الجراكسة) ذلك أنه كان مغرماً بشراء أعداد كبيرة من المماليك الجراكسة وأسكنهم أبراج القلعة فسموا لذلك بالبرجية.
ويصف البعض قبة المنصور قلاوون بالمجموعة بأنها ثاني أجمل ضريح في العالم بعد تاج محل الهندي. والمجموعة كائنة بمنطقة النحاسين بشارع المعز لدين الله الفاطمي في الجزء المعروف ببين القصرين، وتتبع إدارياً قسم الجمالية بحي وسط التابع للمنطقة الغربية بالقاهرة. يجاور المجموعة عدة آثار إسلامية، فبجانبها يقع مسجد ومدرسة الناصر قلاوون ومسجد ومدرسة وخانقاه الظاهر برقوق ثم المدرسة الكاملية وحمام السلطان إينال، ويقابلها سبيل وكتاب خسرو باشا.
اشتملت واجهة المجموعة على عقود محمولة على عمد رخامية بداخلها شبابيك مفرغة بأشكال هندسية بها إفريز مكتوب به اسم المنشئ وألقابه وتاريخ الإنشاء، وتنتهي من أعلاها بشرفة مسننة محلى وجهها بزخارف، وهي واجهة غير مألوفة في عمارات مصر، يظهر بها التأثيرات السورية. على الطرف البحري منارة مكونة من ثلاثة أدوار، الأسفل والأوسط مربعان، فتحت بها شبابيك تنوعت عقودها، أما الثالث فهو مستدير به نقوش دقيقة وكتابات في الجص متوج بكرنيش مصري الطراز، أما خوذتها فليست منها، ورجح الأثريون أنها كانت مضلعة مخوصة مثل طرازات المنارات الشائعة في تلك الفترة. وتلك المنارة من أعمال السلطان الناصر محمد بن قلاوون والتي أنشأها على إثر سقوط المنارة الأصلية في زلزال سنة 702هـ/1302م.
يتوسط الواجهة الباب الرئيسي وهو مكسو بالرخام الملون، وعلى مصراعيه كسوة نحاسية مفرغة برسوم هندسية، وسماعتاه على شكل رأس حيوان. يؤدي هذا الباب إلى دهليز له سقف خشبي فتحت على جانبيه أبواب وشبابيك متقابلة للقبة والمدرسة، وينتهي إلى باب يؤدي إلى البيمارستان. وللقبة بابان مفتوحان على هذا الدهليز، الأول يؤدي إليها مباشرة والثاني يؤدي إلى القاعة أمامها وهي فناء أو فسحة معدة لإقامة المماليك الموجودين بهدف حراسة القبة.
هدم الأمير عبد الرحمن كتخدا القبة الخارجية الكبيرة سنة 1174هـ/1760م، وأعادت بناءها لجنة حفظ الآثار العربية سنة 1326هـ/1908م، وتصميمها مقتبس إلى حد ما من تصميم قبة الصخرة بالقدس الشريف، فالقاعدة مربعة أقيم وسطها أربعة عمد ضخمة من الجرانيت متقابلة مذهبة تيجانها، وأربعة أكتاف من البناء في نواصي كل منها أربعة عمد من الرخام، وهذه الأكتاف مع العمد تحمل عقوداً وتنتهي من أعلى بميمة فوقها شباك مستدير، وفتح بأضلاع المثمن شبابيك قندلية من الجص والزجاج الملون، أحيطت بزخارف ثم مقرنص خشبي فالقبة، وغطي ما حول المثمن بأسقف خشبية مذهبة. أما جدران القبة وفتحات الشبابيك والدواليب المحيطة بها فهي مؤزرة بالرخام المطعم بالصدف، وتعد من أدق أعمال الرخام بالآثار الإسلامية بمصر، نقش بعضها على هيئة رسوم هندسية والبعض الآخر بالخط الكوفي المربع، يعلوها إفريز رخامي دقيق الصنع. أما محراب القبة فهو أكبر وأفخم محراب في آثار مصر، يكتنف كل من جانبيه ثلاثة عمد رخامية، وبتجويفته أربع طبقات من تجاويف محارية مذهبة محمولة على عمد رشيقة وباقيه من الرخام والصدف الدقيق.
من أرضية القبة إلى قمتها لا يرى إلا لوناً زاهياً وتذهيباً براقاً، وزجاجاً ملوناً بالشبابيك، وعقوداً محلاة بزخارف جصية مورقة. وبوسط المثمن قبر عليه بقايا تابوت من الخشب المنقوش والمكتوب بالخطين الكوفي والنسخي، وتشتمل على حشوات مثمنة ومسدسة محفورة بالأويمة الدقيقة، وقد دفن بهذا القبر المنصور قلاوون وابنه الناصر محمد بن قلاوون وابنه الصالح عماد الدين إسماعيل، وفي سنة 1231هـ/1816م أقام أحد نظاره شاهدين رخاميين على أحدهما عمامة عثمانية بها ريشة مذهبة وعلى الآخر أبيات من الشعر. وأحيط هذا المثمن بمقصورة خشبية حليت بنقوش وكتابات أمر بعملها الناصر محمد بن قلاوون، وحليت الواجهة الغربية للقبة بشبابيك وزخارف جصية وكتابات كوفية، وأمامها صحن مكشوف تحيط به أروقة معقودة بقبوات. وكان ملحقاً بها مكتبة ومتحف لحفظ ملابس من دفن بها، وهو ثالث متحف لحفظ مخلفات العظماء في الآثار الإسلامية بعد متحف عقبة بن عامر في مسجده ومتحف قبة الصالح نجم الدين أيوب.
أمام باب القبة يقع باب المدرسة، وقد كانت تخربت فعنيت لجنة حفظ الآثار العربية بإصلاح إيوانها الشرقي، وهو إيوان ذو نظام خاص لم يسبق له مثيل بمصر، فقد أقيم على فتحته عمودان يحملان عقدان كبيران، يكتنف كل منهما فتحتان معقودتان مستطيلتان، يعلو ذلك شباك مستدير يكتنفه كتفان بكل منهما ثلاثة شبابيك بعضها فوق بعض. ينقسم هذا الإيوان إلى ثلاثة أروقة أوسطها أكبرها، وسقفه محمول على عمد رخامية تعلوها عقود حليت هي والشبابيك المستديرة أعلاها بزخارف جصية، كما توجد كوابيل متقابلة بوجه أرجل العقود أعلى الأعمدة. والقسم الأوسط من الإيوان مغطى بسقف مستو وكان في الأصل مغطى بقبو معقود. ومحراب القبلة أقل فخامة من محراب القبة وطاقيته وتواشيحه من الفسيفساء المذهبة ويجاوره منبر بسيط وهو ليس المنبر الأصلي بل من أعمال الأمير أزبك.
أما الإيوان الغربي فقد تخرب وضاعت معالمه وأجريت به إصلاحات لصيانته، وألحق بالواجهة سبيل وكُتَّاب من أعمال الناصر محمد بن قلاوون. وبالنسبة للبيمارستان فقد أبقى المهندس على قاعة ست الملك وهي جزء من القصر الفاطمي الغربي واستخدمها بيمارستاناً، وهي ذات إيوانات أربعة بكل إيوان شاذروان وبدور قاعتها فسقية، وتنحصر بقايا البيمارستان في بقايا إيوانين كبيرين وهما قسم من الإيوان الشرقي به فسقية رخامية وقسم من الإيوان الغربي وبه سلسبيل حليت حافته بحيوانات تنحدر المياه إلى فسقية فمجراة من الرخام ومثل هذا موجود في قصر الحمراء بالأندلس.
المصدر : ويكيبيديا
Log in or sign up to view
See posts, photos and more on Facebook.